صعوبة التوصل إلى اتفاق دولي يحكم محتوى منصات التواصل الاجتماعي

د. زياد محمد جفال

رئيس قسم القانون العام

 

من بين 7.6 مليار شخص على وجه الأرض، هناك ما يقرب 4 مليار مستخدم للإنترنت (يمثلون 53٪ من إجمالي سكان الكرة الأرضية)، 3.2 مليار منهم مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي (يمثلون 42٪ من إجمالي هؤلاء السكان)، يعيش معظمهم في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط.

أشار تقرير صدر عام 2018 أن مستخدم الانترنت العادي يقضي 6 ساعات يومياً على الانترنت. وفي المجموع فإن مستخدمي الانترنت البالغ عددهم تقريبا 4 مليارات في العالم يقضون حوالي مليار سنة على الانترنت يومياً. يتم استهلاك هذا الوقت على منصات التواصل الاجتماعي مثل 2167 Facebook مليون مستخدم 1500 YouTube مليون مستخدم 800 Instagram مليون مستخدم 330 Twitter مليون مستخدم.

أدى هذا الاستخدام المكثف لمنصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم إلى اثارة العديد من المخاوف مثل فقدان الحق في الخصوصية، تصاعد معدلات الجرائم الإلكترونية، الترويج للأفكار المتطرفة، المساهمة في تضليل الرأي العام وفقدان الخصوصية الثقافية والاجتماعية وغيرها.

هناك من يرى مثلا أن وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت المصدر الرئيسي للتنشئة الاجتماعية للشباب، مما قد يؤدي الى تحييد الهوية والشخصية الوطنية في مواجهة هوية وشخصية عالمية يفقد فيها الفرد جذوره ويتخلى عن ولائه وشعوره بالانتماء.

تلك التحديات دفعت إلى تزايد الحديث عن أن القوانين الوطنية ليست كافية وقادرة بشكل كافٍ على الحد من الانعكاسات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي (التي مصدرها يأتي من خارج الحدود الوطنية للدول)، مما أدى إلى ظهور أفكار حول الدور الذي يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي ممثلاً بمنظمة الأمم المتحدة لتولي عملية وضع نظام قانوني دولي لضبط الآثار السلبية لهذه الوسائل، على أن تضمن المنظمة فرض عقوبات على شركات التواصل الاجتماعي العملاقة العابرة للحدود في حالة مخالفة هذا النظام. 

ومع ذلك، فإن المنظمة الدولية تواجه صعوبات كبيرة، إن لم تكن المهمة مستحيلة، لتمرير مثل هذه الاتفاقية. فإلى جانب المخاوف من تأثيرها على حرية الرأي والتعبير، سيكون من الصعب إيجاد توافق ملموس بين أصحاب المصلحة المعنيين: الحكومات (التي تسعى لحماية أمنها ومواطنيها)، والشركات العملاقة لوسائل التواصل الاجتماعي (التي تسعى لتحقيق الربح مالية) ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية غير الحكومية (التي تسعى لحماية حقوق الإنسان بما فيها حرية الراي والتعبير). هناك أيضًا تعقيد الفضاء والنطاق الذي تعمل فيه وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشمل دولًا مختلفة، سواء الدول المتقدمة (المزودة للخدمة) أو الدول النامية (المتلقية والمستهلكة لها) والفجوة التكنولوجية بين دول الشمال والجنوب.

بدلاً من وضع اتفاقية دولية لتنظيم هذه الوسائل والرقابة على محتواها، هناك من يقترح في ظل النظام القانوني الدولي القائم لحقوق الانسان، إنشاء هيئة دولية مستقلة لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي (تسمى مجلس وسائل التواصل الاجتماعي)؛ يمكن إنشاؤها على المستويين الاقليمي أو العالمي، وتشمل اختصاصها التعامل مع قضية محددة (مثل خطاب الكراهية والتمييز) أو منحها اختصاص عام. على أن تضم ممثلين عن جميع أصحاب المصلحة المعنيين، مثل الدول، شركات التواصل الاجتماعي، جمعيات الإعلاميين، الهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام، خبراء حرية التعبير، الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني. وتضمن الاقتراح أن تقوم هذه الهيئة بتبني مدونة للسلوك (ميثاق شرف) يهم بالأساس شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة.

لكن يمكن أن تكون عملية انشاء هذه الهيئة طويلة ومعقدة، حيث يحتاج جميع أصحاب المصلحة المعنيين إلى الاتفاق على نظام يمكنهم جميعًا صنعه بأنفسهم. فمن المعلوم أن أي نظام دولي قانوني جديد لا يمكن أن يظهر ويثبت فعاليته إلا إذا كان جميع المشاركين فيه على استعداد لإنجاحه.