الخريج إبراهيم ولد الشيخ سيديا محررًا رئيسيًّا للكتب والدراسات والبحوث فـي مركز تريندز للبحوث والاستشارات
إبراهيم ولد الشيخ سيديا خريج جامعة العين، حاصل على شهادة البكالوريوس في القانون سنة 2013، محررًا رئيسيًّا للكتب والدراسات والبحوث فـي مركز تريندز للبحوث والاستشارات. في حوار له مع مكتب الخريجين عن مسيرته الدراسية قال: " تميّزت مسيرتي التعليمية بالمزاوجة بين نظام التعليم الأصيل في بلدي موريتانيا وبين نظام التعليم النظامي، وهكذا حفظتُ القرآن الكريم وغيره من متون الفقه واللغة العربية تزامنًا مع استكمالي مراحل التعليم النظامي. وبعد ذلك تخرّجتُ في مدرسة تكوين المعلّمين في العاصمة الموريتانية انواكشوط، وزاولتُ التعليم في مناطق عديدة من موريتانيا. ثم انتقلتُ للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أكثر من عشرين سنة، وفي جامعاتها أكملتُ معظم مراحل التعليم العالي. وقد كانت جامعة العين هي البوابة التي ولجتُ منها إلى ميدان القانون، فمنها حصلتُ على البكالوريوس في القانون، ثم حصلتُ من جامعة الإمارات على الماجستير في القانون العام، ومن أكاديمية شرطة دبي حصلتُ على الدكتوراه في القانون العام أيضًا. وكنتُ قد حصلتُ قبل ذلك على البكالوريوس في اللغة العربية من بلدي موريتانيا، ثم حصلتُ على درجة الماجستير في اللغة العربية من جامعة الشارقة، وعلى الدكتوراه في اللغة العربية من جامعة سيدي محمد بن عبدالله في المغرب."
وعن مسيرته المهنية قال: " تمتدُّ مسيرتي المهنية على مدى أكثر من 25 سنة، وتشمل ميادين عديدة منها التعليم والإدارة والإعلام، إذ تزامن عملي في التدريس فـي موريتانيا مع عملي فـي ميدان الإعلام محرّرًا ومدقّقًا لغويًّا. وبعد الانتقال إلـى دولة الإمارات عملتُ فـي وزارة الداخلية حيث اكتسبت خبـرات جديدة فـي الإدارة التشغيلية واطّلعتُ بشكل كامل علـى النظام الإداري الـمعمول به فـي دولة الإمارات. ثم عملتُ فـي مجلس أبوظبـي للتعليم، وفيه اكتسبتُ فوائد جديدة حيث اطّلعتُ علـى عملية التفتيش وأنظمة التقييم وضمان الجودة فـي الـمدارس الحكومية فـي دولة الإمارات. وخلال عملي أربع سنوات محاضرًا فـي كليات التقنية العليا تعزّزت خبـراتي فـي قيادة فِرق العمل وتطوير الـمناهج وفـي معاييـر التفتيش والاعتماد الأكاديمـي وكتابة مواصفات البـرامج الأكاديمية. وفـي معهد التدريب والدراسات القضائية فـي دولة الإمارات الذي عملتُ فيه محاضرًا تعزّزت كذلك مهاراتي وقدراتي. كما عملتُ طَوال أربع سنوات أخرى فـي مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستـراتيجية، أستاذًا محاضرًا فـي إدارة التدريب والتطوير، حيث اكتسبتُ خبـرات جديدة من خلال العمل مع هيئات التفتيش والاعتماد الأكاديمـي؛ بصفتـي عضوًا ضِمن فريق عمل "برنامج التسامح والتعايش" الذي كان النواة التـي انبثقت منـها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية والاجتماعية. وفـي هذه الـمرحلة تولّيتُ التدريس في الدبلومات العليا الثلاثة التـي ينظّمها الـمركز: دبلوم البحث العلمـي، ودبلوم التسامح والتعايش، ودبلوم الباحث الاستـراتيجـي. وفـيه اكتسبت أيضًا خبـرات عملية فـي الـمجال الإعلامي عزَّزت خبـراتي النظرية فـي الـمجال ذاتِه؛ وذلك من خلال كتابتـي العمود اليومي الـمخصص للمركز فـي صحيفة الاتحاد بعنوان "الإمارات اليوم"، فضلًا عن تحرير الدراسات والتحليلات التـي يُصدرها الـمركز حصرًا لصنّاع القرار فـي دولة الإمارات، ومع إطلالة السنة الحالية بدأتُ العمل فـي مركز تريندز (TRENDS) للبحوث والاستشارات، محررًا رئيسيًّا للكتب والدراسات والبحوث التـي ينشرها في مجالات متعددة، وما زال عملـي فيه مستمرًّا حتـى الآن."
وعن سبب اختياره لتخصصه وطموحاته المستقبلية قال: " لدي تخصصان أحدهما في اللغة العربية، وقد اخترتُه انطلاقًا من كون عائلتنا تتوارث اللغة العربية جيلًا بعد جيل، وهذا ما يفسّر أن أطروحتي للدكتوراه في اللغة العربية كان موضوعها الأساس هو التعريف بجهود جدّي الأكبر في مجال اللغة العربية وتحقيق أحد مؤلفاته العديدة في مجال النحو. أما تخصّصي الآخر فهو القانون، وقد دفعتني إليه طبيعة عملي في وزارة الداخلية، حيث وجدتُ أنه بات لزامًا عليَ حينها أن أتسلّح بالمعرفة القانونية الضرورية لأداء عملي، فالتحقتُ بجامعة العين طالبًا في مرحلة البكالوريوس في القانون؛ إذ كانت هي الجامعة الوحيدة حينها التي وجدتُ لديها مرونة تمكّنني من الجمع بين العمل والدراسة. وأغتنم هذه السانحة لأعبّر لهذه الجامعة وللقائمين عليها ولأساتذتي الذين درّسوني فيها عن جزيل شكري وامتناني لما أحاطوني به من عناية واهتمام كان لهما الدور الأبرز في تذليل جميع العقبات التي تُلازم المزاوجة بين العمل والدراسة. أما طموحي المستقبلي فتُحدّده الظروف؛ إذ ألبسُ لكل حالة لبوسَها."
وعن كيفية دعم دراسته في جامعة العين لمسيرته المهنية قال: " كانت دراستي في جامعة العين هي المدخل الذي ولجتُ منه إلى ميدان القانون الذي عزّز مسيرتي المهنية ودعمها؛ ذلك أن من لديه تخصصان يكون حظّه في التوظيف أوفَر ممّن ليس لديه سوى تخصص وحيد. يضاف إلى ذلك الترابط الوثيق بين اللغة والقانون؛ فالقانوني يحتاج إلى أن يكون ضليعًا في اللغة ليتمكّن من سبْر أغوار النصوص القانونية فيستخرج من ثناياها ما لا يستطيع غير الضليع في اللغة الوصول إليه، ولذا فقد كانت الجامعات العريقة تشترط للتسجيل في تخصص القانون الحصول على دبلوم متخصص في لغة الدراسة، وحبّذا لو أحيت جامعة العين هذه السنة الحميدة. وقد كان لهذا المزج بين اللغة العربية والقانون دور مهمّ في مسيرتي المهنية التي أعقبت حصولي على البكالوريوس في القانون من جامعة العين، ومهّدت لحصولي لاحقًا على الماجستير والدكتوراه في المجال ذاته؛ حيث سهّل المزج بين التخصصين من أدائي العملي في مجال التحكيم بصفتي محكَّمًا معتمدًا لدى مركز التحكيم التجاري لدول مجالس التعاون الخليجي، كما سهّل لي إيصال المعلومة القانونية إلى طلّابي بالشكل الأمثل."
وعن مشاركاته التطوعية والمجتمعية قال: " عملي أستاذًا جامعيًّا يستدعي بالضرورة أن تكون لدي مشاركات تطوّعية ومجتمعية؛ ذلك أنّ المعايير الثلاثة الرئيسة لأي جامعة هي التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ولذا فإنّ لي حضورًا تطوّعيًّا دائمًا في كل الأنشطة المجتمعية، ومن ذلك على سبيل المثال مشاركتي في مبادرة "كلنا شرطة"، وكذلك عضويتي في جمعية الإمارات لحماية البيئة. كما جرى تكريمي ضِمن أول دفعة من الـمتطوعيـن فـي "مكتب شؤون الضحايا"، الذي هو اللبنة الأولـى لـما أصبح اليوم "الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث" التـي كان لها دور بارز فـي تعامل دولة الإمارات مع جائحة كورونا التـي هزّت العالم؛ وهو ما يؤكّد أنّ استشراف الـمستقبل أساس مَكيـنٌ للنجاح."
وعن رأيه بدور الخريج تجاه الجامعة ودوره في خدمة المجتمع قال: " إنّ الطالب المتخرّج في أي مؤسسة تعليمية ينبغي أن يكون سفيرًا لتلك المؤسسة يُعطي عنها الانطباع الأحسن معرفة وسلوكًا، وإن كان السلوك في نهاية الأمر ليس سوى تجسيد لمدى الوعي الناتج عن المعرفة. وكلُّ ما يعطي الانطباع الحسن عن المؤسسة التعليمية التي تخرّج فيها الطالب (والتخرج بالمناسبة يكون "في" المؤسسة التعليمية، وليس "منها" كما هو شائع) هو ما ينبغي أن يمثّل دور المتخرّج في خدمة مجتمعه الذي هو مجتمع جامعته أيضًا."
وعن كيفية تنظيم الوقت بين حياته العملية والشخصية والصحية والثقافية قال: " إدارة الوقت هي مفتاح النجاح في جميع الأمور؛ إذْ بقدر ما ينجح المرءُ في تنظيم وقته يكون مقدار نجاحه في تحقيق ما يطمح إليه. غير أن إدارة الوقت تتطلّب إرادة صلبة وعزيمة لا تلين، وأذكر هنا أني ما كنتُ لأحصل على أيّ من الدرجات العلمية التي حصلتُ عليها لو لم أمتلك القدرة على إدارة الوقت؛ فمرحلة البكالوريوس في القانون - على سبيل المثال - بدأتُها في فرع جامعة العين في أبوظبي وأنا حينها أعمل في مدينة أبوظبي غير أني أكملتُ الفصل الأخير منها وأنا أعمل في مدينة ليوا (محضر خنّور) بعد انتقالي للعمل مدرّسًا في مدرسة الفاروق للتعليم الأساسي والثانوي، فكنتُ لذلك مضطرًّا إلى الاستيقاظ الساعة الثالثة فجر كل يوم عمل للذهاب من أبوظبي حيث أسكن وأدرس، إلى ليوا حيث المدرسة التي أدرّس فيها، ثم مغادرة ليوا بعد انتهاء اليوم الدراسي لألتحق بالمحاضرات المسائية في فرع الجامعة في أبوظبي، وهكذا دوالَيك طيلة أيام العمل الأسبوعي. ولم تكن ظروف دراستي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه بأحسن حالًا من ظروفي في مرحلة البكالوريوس، وبالرغم من كلّ ذلك تمكّنت من الموازنة بين دراستي وعملي وحياتي الاجتماعية؛ من خلال ترتيب هذه الجوانب الثلاثة بحسب الأهمّ فالمهمّ فالأقلّ أهمية."
وعن الإنجازات والجوائز التي حققها قال: " حقّقتُ بفضلٍ من الله كثيرًا ممّا كنتُ أطمح إليه، غير أن الطُّموح يولّد الطموح، إذ بعد أن يتحقّق بحول الله ما كنتُ قد جعلتُه هدفًا مرحليًّا تتوق نفسي من جديد إلى هدف أسمى، وبذلك يظل لدي حافز يدعوني إلى العمل والتطوير الذاتي.. عملًا بالأثر المنسوب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، وهو قوله: "اعمَل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا"، وواضح ما في الشقّ الأول من هذا الأثر من دعوة إلى الأخذ بالأسباب وبذل الوسع في تحصيل الرزق والاهتمام بعمارة الأرض فيما يرضي الله عزَّ وجلَّ، وواضح كذلك ما في شقّه الآخر من الحثّ على العمل للآخرة ودوام الاستعداد لها، إذ ليست الدنيا سوى محطة عبور إلى الآخرة التي هي دار القرار. أما الجوائز التي حصلتُ عليها فكثيرة بحمد الله، غير أن أهمّها بالنسبة لي هو التكريم الذي حظيت به من طرف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة، حفظه الله، ضمن فريق التدريس فـي برنامج التسامح والتعايش."
وعن الركائز التي يجب أن يرتكز عليها الطالب أو الخريج قال: " لا ينبغي الإقدام على أي عمل من دون وضع خطة لبلوغ الهدف المراد من ذلك العمل، ولا يعني هذا أن كلَّ خطة ستكون كفيلة بتحقيق المقصد، ولذا ينبغي أن تشتمل الخطة العامة على خطط بديلة يُلجَأُ إليها عند الضرورة. وإذا ما تجاوزنا هذا الجانب النظري إلى معمعة العمل الفعلي فسنصطدم لا محالة ببعض العوائق والمثبّطات، وهنا يأتي دور العزيمة، فمن لّم يكن ذا عزيمة صلبة سيستسلم عند أول عائق ويتخلّى عن الوصول إلى هدفه، أما صاحب العزيمة التي لا تلين فسيجابه الصعاب ويتجاوزها واحدة تلو الأخرى إلى أن يصل إلى مبتغاه. ومن هنا يمكنني القول بكل ثقة إن الركيزة الأساسية لأي نجاح هي توفيق الله، إذ بالتوفيق تقوى العزيمة حين يدرك الإنسان أنه لم يُكلّف إلا بالسعي فقط.. فمن سعى بعد أن أصلح ما بينه وبين علّام الغيوب فإنه لا محالة بالغ مبتغاه؛ إذ من صلح سرُّه صلحت علانيتُه."
وفي الختام توجه إبراهيم ولد الشيخ بنصيحة أخيرة لخريجي الجامعة قائل: " أنصح كلّ متخرّج أن يظلَّ طالب علم، فالتخرج لا يعني الإحاطة بكل جوانب مجال التخصص، ثم أنْ يستفيد من مجالات العلم الأخرى خارج إطار تخصصه، فالعلوم يكمل بعضها بعضًا، وأقرب مثال لدي الآن هو أن جمعي بين تخصُّصَي القانون واللغة العربية جعلني أستفيد من كلّ واحد منهما في مجال الآخر." وأضاف: " يطيب لي هنا أن أتقدّم بجزيل الشكر والعرفان لدولة الإمارات العربية المتحدة التي فتحت أمامي أبواب التطوير الذاتي بعد أن احتضنتني أكثر من عشرين سنة، لم ألقَ خلالها إلّا كل الاحترام والتقدير.. فمن أربع من جامعاتها نلتُ أغلب درجاتي العلمية.. وعلى أديمها الطيب وُلد ثلاثة من أبنائي الأربعة.. كما عرفتُ من أبنائها من أصبحوا لي إخوة لم تلدهم أمي، بعد أن تجاوزنا مرحلة الصداقة الصادقة؛ ومن أولئك الإخوة أذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر، ومنهم أخي الكريم الأستاذ/ سيف صالح الحربي، رئيس قسم الاستشارات القانونية والضريبية في الهيئة الاتحادية للضرائب، الذي يعود الفضل في تعرّفي عليه إلى جامعة العين حين تزاملنا فيها في مرحلة البكالوريوس في القانون، ثم تزاملنا بعد ذلك في مرحلة الماجستير في جامعة الإمارات.. ومسيرته جديرة بأن تسلّطوا عليها الضوء من خلال استضافته هنا كما استضفتموني مشكورين."